التخطي إلى المحتوى الرئيسي

تاتلبيس

التصميم العظيم
تاليف ستيفن هوكنج و ليونارد ملوديناو
1_ لغز الوجود
كل منا موجود ولكن لفترة قصيرة, وفي تلك الفترة القصيرة استكشفنا لكن جزءا من الكون كله. ولكن الانسان كائن فضولي . نحن نتسائل ونريد اجوبة. العيش في هذا العالم الشاسع والذي يبدو تارة لطيفا وتارة قاسيا, والتحديق الى السماوات الهائلة الاتساع فوقنا,جعل البشر دائما يطرحو العديد من الاسئلة : كيف نفهم العالم الذي وجدنا انفسنا فيه ؟ كيف يتصرف الكون ؟ ماهي طبيعة الحقيقة ؟ من أين جاء كل هذا ؟ هل يحتاج الكون لخالق ؟. معظمنا لا يقضي الكثير من وقته قلقا بشان هذه الاسئلة , ولكننا جميعا نقلق بشأنها من وقت لاخر.
تقليديا هذه الاسئلة فلسفية, ولكن الفلسفة قد ماتت. فالفلسفة لم تستطع مواكبة التطور في العلوم, وبالتحديد , الفيزياء. فالعلماء اصبحو حملة مشعل الاكتشاف في طلبنا للمعرفة. الغرض من هذا الكتاب هو اعطاء الاجوبة المقترحة من قبل الاكتشافات والنظريات المتقدمة. لانها تقودنا الى صورة جديدة للكون وموقعنا فيه وهذه الصورة مختلفة جدا عن الصورة التقليدية , بل انها مختلفة حتى مع الصورة التي رسمناها قبل عقد او عقدين من الزمان. مع ذلك, فان المخططات الاولى لنهذا المفهوم الجديد يمتد في الماضي الى مايقرب من القرن.
استنادا الى المفهوم التقليدي للكون, الاشياء تتحرك وفق مسارات محددة ولها تواريخ محددة كذلك. ونستطيع تحديد موقعها بدقة في اي لحظة من الزمن.وبالرغم من ان هذا ناجح لحد ما لاغراضنا اليومية, الا انه اكتشف في العشرينات ان الصورة التقليدية لايمكن اعتمادها لتفسير ما يبدو انه سلوك غريب لوحط في العالم الذري وما دون الذري. وبدلا من ذلك كان من الضروري تبني طريقة عمل اخرى تسمى بفيزياء الكوانتم. ولقد تبين ان نظريات فيزياء الكم دقيقة بشكل ملفت للنظر في التنبؤ بالاحداث على تلك المستويات الذرية وما دون الذرية. وفي نفس الوقت تقوم باعادة انتاج تنبؤات النظريات الكلاسيكية القديمة عند تطبيقها على العالم مافوق الذري في حياتنا اليومية. ولكن كلا من فيزياء الكم ولفيزياء الكلاسيكية تعتمدان على مفاهيم مختلفة للواقع الفيزيائي.
نظريات الكم يمكن صياغتها بالعديد من الطرق المختلفة, وربما افضل وصف قدم من قبل ريتشارد فينمان (شخصية مختلفة الالوان والذي عمل في معهد كاليفورنيا للتقنية وكذلك كان يعزف على طبل التانغو في نوادي التعري ). وطبقا لفيانمان, فان اي نظام لا يملك تاريخا واحدا بل كل تاريخ محتمل. وفي اثناء محاولتنا الحصول على اجوبة , سنشرح مقاربة فاينمان هذه بالتفصيل, وتوظيف هذه المقاربة لاستكشاف فكرة ان الكون نفسه ليس له تاريخ مفرد, وحتى ليس له وجود مستقل. تبدو هذه وكأنها فكرة متطرفة حتى بالنسبة للعديد من الفيزيائيين. بالنهاية وكما هو حال العديد من الافكار في العلم اليوم, والتي يبدو انها تنتهك الحس المشترك ولكن الحس المشترك مبني على خبرتنا اليومية, لا على الكون كما كشفت عنه تقنياتنا المذهلة مثل تلك التقنيات التي مكنتنا من ان نحدق عميقا في الذرة او الى الماضي الى بدايات الكون.
حتى مجيء الفيزياء الحديثة كانت الفكرة العامة انه يمكن استحصال المعرفة عن العالم من خلال الملاحظة المباشرة, اي رؤية الاشياء كما تبدو عليه , وكما تدركه حواسنا.ولكن النجاح المذهل للفيزياء الحديثة, والتي بنيت على مفاهيم مثل مفهوم فاينمن الذي يتصادم مع خبرتنا اليومية, اظهر ان ذلك ليس هو القضية. وعليه فالرؤية الساذجة للحقيقة ليست متوافقة مع الفيزياء الحديثة. وللتعامل مع مثل هذه المعضلات فاننا سوف نتبنى مقاربة سنسميها النموذج المستقل للواقعية. وهو مبني على فكرة ان ادمغتنا تفسر المدخلات القادمة من حواسنا من خلال صناعة نموذج للعالم. وعندما ينجح هذا النموذج في تفسير الاحداث فاننا نميل الى ان نعزو لهذا النموذج وعناصره ومفاهيمه التي يتشكل منها, نعزو اليه نوعية الحقيقة والحقيقة المطلقة. ولكن هنالك طرق مختلفة يمكن من خلالها نمذجة نفس الوضع الفيزيائي, وكل طريقة توظف عناصر اساسية ومفاهيم مختلفة. وعندما تتنبأ, نظريتنان او نموذجان فيزيائيان, بدقة لنفس الاحداث. فلا يمكن القول ان احداها اكثر واقعية او صحة من الاخرى, بدلا عن ذلك نحن احرار في استعمال اي من النموذجين والذي نراه مقنعا اكثر.
في تاريخ العلم اكتشفنا سلسة من النماذج والنظريات افضل وافضل مع مرور الوقت , منذ افلاطون مرورا بنظرية نيوتن وصولا الى نظريات الكم الحديثة. لذا سيكون من الطبيعي ان نسأل : هل ستصل هذه السلسلة الى نقطة نهاية, بالنظرية الشاملة لكل الكون, والتي ستتضمن كل القوى و وستتنبا بكل المشاهدات التي نستطيع عملها. او اننا سنستمر للابد بايجاد نظريات افضل من سابقتها. دون ان نجد النظرية التي لا يمكن الاضافة اليها او تحسينها ؟ للان ليس لدينا اجابة محددة لهذا السؤال, ولكن لدينا الان مرشح لنظرية كل شيءاذا كان مثل هذه النظرية موجودة بالفعل.
وهذه النظرية المرشحة هي نظرية m , فنظرية m هي النموذج الوحيد الذي يملك كل الصفات التي نعتقد ان النظرية الشاملة يجب ان تمتلكها. وهي النظرية التي ستكون مدار نقاشنا القادم.
نظرية m ليست نظرية بالمعنى المعتاد بل انها عائلة كاملة من النظريات ولكل نظرية منها وصف جيد للمشاهدات ولكن فقط في جزء من المدى الكامل للحالات الفيزيائية. انها تشبه نوعا ما خريطة. فكما هو معروف لا يمكن اظهار كل سطح الارض على خريطة واحدة. اسقاط مركاتور يستعمل عادة لخرائط العالم حيث تكون فيها المساحات اكبر فاكبر في الشمال الاقصى والجنوب الاقصى و لاتغطي القطبين الشمالي والجنوبي. ولرسم الارض بصدق نحتاج الى عدة خرائط كل منها يغطي منطقة محدودة. وعند تراكب الخرائط فوق بعضها سينتج عندنا نفس المنظر الارضي. نظرية m نفس الشيء عائلة من النظريات التي قد تبدو مختلفة جدا عن بعضها البعض ولكنها تعتبر جوانب لنفس النظرية الكامنة. انها نسخ من النظرية يمكن تطبيقها فقط في مديات محدودة – على سبيل المثال عندما يكون لدينا كميات معينة صغيرة من الطاقة . ومثل تراكب الخرائط في اسقاط مركاتور , حيث نسخ مختلفة لمديات محدودة تتراكب , تتنبأ بنفس الظاهرة . وكما انه لا توجد خريطة واحدة مسطحة يمكنها ان تمثل بشكل جيد كل سطح الارض كذلك لا توجد نظرية واحدة تمثل بشكل جيد مشاهداتنا في كل الاوضاع.
سنصف كيف ان نظرية m يمكنها ان تقدم اجابات للسؤال عن الخلق.
حسب نظرية m فان كوننا ليس الكون الوحيد , بدلا من ذلك فان النظرية تتنبأ ان اعدادا كبيرة جدا من الاكوان خلقت من لاشيء. وخلق هذه الاكوان لا يحتاج تدخل كائن فوق طبيعي او اله. بل ان هذه الاكوان تنشأ من القانون الفيزيائي. تلك تنبؤات العلم . ان كل كون لديه العديد من التواريخ المحتملة والعديد من الحالات المحتملة في اوقات متأخرة, اوقات مثل الحاضر حيث مر زمن طويل على خلق الكون. معظم هذه الحالات ستكون مخالفة تماما لكوننا وغير ملائمة لوجود اي شكل للحياة. فقط عدد محدود من هذه الحالات يسمح لمخلوقات مثلنا بالوجود. وعليه فان وجودنا يختار من هذه المصفوفة الهائلة فقط تلك الاكوان المتوافقة مع وجودنا. بالرغم من ضآلتنا وتفاهتنا بالقياس الى الكون, فان هذا سيضعنا بمعنى ما كسادة لخلق الكون.
لفهم الكون في اعمق مستوياته, يجب علينا ليس فقط معرفة كيف يتصرف الكون بل ان نعرف كذلك لم يتصرف هكذا
لماذا هنالك شيء بدلا من لاشيء ؟
لماذا وجدنا ؟
لماذا هذه المجموعة المحددة من القوانين الفيزيائية وليس غيرها ؟
هذه هي الاسئلة الكبرى عن الحياة,و الكون وكل شيء. سنحاول ان نجيب في هذا الكتاب اجابة غير تلك التي قدمها فلم دليل المسافر المتطفل عبر المجرة ( تهكم من الكاتب ) فاجابتنا لن تكون بهذه السهولة



2_ دور القانون
في ميثولوجيا الفايكنك سكول وهاتي يطاردان الشمس والقمر وعندما يصطاد اي منهما احدهما يحدث الكسوف او الخسوف. وعندما يحدث الخسوف او الكسوف كان الناس يسارعون الى عمل اكبر ضوضاء ممكنة بامل اخافة الذئاب لتترك الشمس او القمر. وهنالك اساطير اخرى مشابهة في باقي الحضارات. ولكن مع مرور الوقت لابد ان الناس قد لاحظو ان الشمس والقمر يبزغان من الكسوف بغض النظر عن ركضهم هنا وهناك وقيامهم بالصراخ والضرب على الاشياء. ومع مرور الوقت اكثر فاكثر لابد ان الناس لا حظو ايضا ان الكسوف والخسوف لا يحدث بشكل عشوائي: بل انهما يحدثان بانماط منتظمة تكرر نفسها. هذه الانماط كان اكثر وضوحا بالنسبة لكسوف القمر وتمكنت الحضارات القديمة كالبابليين ان تتنبأ بالخسوف القمري بدرجة عالية من الدقة رغم انهم لذلك الوقت لم يعلمو بعد ان الخسوف سببه حجب الارض لضوء الشمس عن القمر. بينما كسوف الشمس كان اكثر صعوبة للتنبؤ به لانه يلاحظ فقط على شريط على الارض عرضه 30 ميلا (45 كيلومتر) . مع ذلك ما ان قبض الانسان على نمط الكسوف حتى اصبح واضحا ان الكسوف لا يعتمد على نزوات اعتباطية لكائنات فوق طبيعية ولكنه محكوم بقوانين.
على الرغم من بعض النجاحات الاولية في التنبؤ بحركة الاجرام السماوية, فقد كان يبدو لاسلافنا ان معظم الاحداث الطبيعية مستحيل التنبؤ بها. كالبراكين والزلازل والعواصف و الاوبئة بل وحتى ظفر القدم المنغرز في اصابع القدم , كلها كانت تبدو وكأنها تحدث من دون سبب او نمط ظاهرين. في الماضي كان من الطبيعي ان تنسب لمجلس الالهة المؤذية او الشريرة ان تنسب لها الاحداث العنيفة في الطبيعة. لذا كانت المصائب غالبا ما تعتبر اشارة باننا بشكل ما اغضبنا الالهة. على سبيل المثال, في حوالي 5600 قبل الميلاد انفجر بركان جبل مازاما في اوريغون وامطر حجارة ورمادا حارقا لسنوات . وبعد سنين طويلة ملأت الامطار فوهة البركان واصبحت تسمى اليوم ببحيرة فوهة البركان. هنود الكالاماث الحمر في اوريغون لديهم ملحمة تطابق بصدق كل التفاصيل الجيولوجية لذلك الثوران البركاني ولكن تضيف اليها قليلا من الدراما بتصوير الانسان كسبب لهذه الكارثة. قدرة الناس على ارتكاب الذنوب هي ما كان الناس يجدوه كطريقة لالقاء اللوم على انفسهم. وكما تقول الملحمة ان لالو حاكم العالم السفلي, وقع في حب امرأة بشرية هي بنت زعيم قبيلة الكالاماث. ولكنها ازدرته , فانتقم لالو بمحاولة تدمير قبيلة الكالاماث بالنار. ولكن لحسن الحظ , كما تقول الاسطورة, سكيل وهو حاكم العالم العلوي , اشفق على البشر وقاتل خصمه التحت ارضي. في النهاية جرح لالو وسقط في داخل جبل مازما مخلفا حفرة كبيرة , وبالنهاية هذه الحفرة امتلأت بالماء.
الجهل بطرق الطبيعة قادت البشر في الازمان القديمة الى اختراع الالهة وجعلها حاكمة وسيدة على كل شيء في حياة الانسان. فكان هنالك الهة للحب والحرب وللشمس وللقمر وللسماء والهة للمحيطات والانهار والامطار والعواصف الرعدية وحتى الزلازل والبراكين كان لها الهة. وعندما تكون الالهة راضية يتعم الانسان بالطقس الحسن والسلام والحرية من الكوارث الطبيعية والامراض. ولكن عندما تغضب الالهة يحل الجفاف والحرب والاوبئة والجائحات. ولان الناس لم يعلمو بعد العلاقة السببية بين الاحداث الطبيعية تلك ومسبباتها, بدا لهم ان تلك الالهة غامضة وانهم تحت رحمتها. ولكن مع طاليس المالطي (624-546 ق م ) اي منذ حوالي 2600 سنة مضت, هذا الامر بدأ بالتغير. بدأت تنشا فكرة ان الطبيعة تتبع مبادي متسقة يمكن فك شفرتها ومنذ ذلك الوقت بدأت عملية استبدال فكرة حكم الالهة الى فكرة ان الكون محكوم بقوانين الطبيعة, وان لهذه القوانين خريطة اصلية يمكن يوما ما ان نتعلم كيفية قراءتها.
بالنظر الى الخط الزمني لتاريخنا البشري, نرى ان التحقيق العلمي محاولة حديثة على تاريخنا. فنوعنا , الهوموسابيان , نظم نفسه في جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا حوالي 200000 ق م . بينما يعود تاريخ اللغة المكتوبة الى 7000 سنة ق م فقط, وهي نتاج المجتمعات التي تمركزت حول مزترع الحبوب.( بعض اقدم هذه الكتابات تشير الى الحصة اليومية من البيرة المسموحه للمواطنين ). الكتابات الاولى للحضارة اليونانية العظيمة سجلت منذ القرن التاسع ق م , ولكن عظمة هذه الحضارة ( الفترة الكلاسيكية) جاءت بعد ذلك بمئات السنين, حيث بدات بوقت قليل قبل عام 500 ق م.وحسب ارسطو (384-322 ق م ) فان طاليس بدا بتطوير فكرته خلال ذلك الوقت وهي ان العالم يمكن فهمه, وان هذه الاحداث المعقدة من حولنا يمكن اختزالها الى مباديء بسيطة ويمكن تفسيرها دون اللجوء الى تفسيرات اسطورية او دينية.
يسجل لطاليس انه قام باول تنبؤ لكسوف الشمس عام 585 ق م , بالرغم من ان تنبؤه الدقيق كان من المحتمل ان يكون مجرد تخمين محظوظ. كان طاليس اشبه بالاشباح اذ لم يترك ورائه كتابات من عنده. كان بيته واحدا من مراكز الثقافة في المنطقة المسماة ايونيا, والتي استعمرت من قبل الاغريق والتي كان لها تاثير وصل بالنهاية بعيدا الى تركيا وايطاليا. العلم الايوني كان محاولة وجهها الاهتمام الشديد لكشف القوانين الاساسية التي تفسر الظواهر الطبيعية, وقد كانت معلما تاريخيا في تاريخ الافكار البشرية. كانت مقارباتهم (الايونيين) عقلانية وفي حالات عديدة توصلو لنتائج تشبه بشكل مثير للدهشة ما توصلت اليه وسائلنا الراقية اليوم. العلم الايوني مثل بداية عظيمة ولكن مع مرور الوقت معظم هذا العلم قد نسي فقط ليتم اعادة اكتشافه او اعادة اختراعه لاكثر من مرة.
استنادا للملحمة التاريخية فان اول صيغة رياضية لما نسميه اليوم قانونا طبيعيا تعود الى عالم ايوني يدعى فيثاغورس (580-490 ق م ) وقد اشتهر بالنظرية التي سميت باسمه : طول الوتر في مثلث يساوي الجذر التربيعي لمجموع مربعي الضلعين . يقال ان فيثاغورس قد اكتشف العلاقة العددية بين طول الاوتار المستخدمة في الالات الموسيقية والتركيب التجانسي للاصوات. يعني بلغة الحاضر ان تردد الوتر المهتز يتناسب عكسيا مع طول الوتر. من وجهة النظر العملية هذا يفسر لماذا يجب ان يكون وتر غيتار البيس اطول من وتر الغيتار العادي . ربما فيثاغورس لم يكتشف هذه الحقيقة بل ايضا ربما لم يكتشف النظرية التي تحمل اسمه. ولكن هنالك ادلة على ان هنالك علاقة ما بين طول الوتر و التردد كانت امرا معروفا في ذلك الوقت.
باستثناء قانون فيثاغورس للاوتار, فان القوانين الفيزيائية الوحيدة والمعروفة بشكل جيد للقدماء هي قوانين ارخميدس (284-212 ق م ) الثلاث وهو ابرز فيزيائي العصور القديمة. بمصطلحات اليوم فان قانون العتلة يوضح ان قوة صغيرة يمكنها ان ترفع اوزانا كبيرة لان العتلة تضخم القوة استنادا الى النسبة بين المسافات من نقطة استناد العتلة. وقانون الطفو يوضح ان اي جسم يغمر في سائل سيواجه قوة للاعلى مساوية لوزن السائل المزاح. واخيرا قانون الانعكاس الذي ينص على ان الزاوية بين الشعاه الساقط والمراة مساوي للزاوية بين الشعاع المنعكس والمرأة. ولكن ارخميدس لم يدعها بالقوانين , ولم يقم بتفسيرها استنادا الى مرجعية الملاحظات والقياسات. بدلا من ذلك فانه عاملها كما لو انها نظريات رياضية خالصة في نظام بديهي يشابه كثيرا الهندسة الاقليدية.
ومع انتشار التأثير الايوني, ظهر ان هنالك آخرون رأو ايضا ان العمليات في الكون ذات نظام داخلي, وانه يمكن فهمها من خلال الملاحظة والعقل . اناكسيمندر (610-546 ق م ) صديق وربما تلميذ طاليس حاجج بانه بما ان الطفل البشري الرضيع عاجز عند الولادة فان هذا يعني ان الانسان الاول على الارض لو وجد طفلا لما كتبت له النجاة, وهذه المحاججة تبدو وكأنها اول معرفة محدودة بالتطور في التاريخ البشري, البشر اذن حسب منطق اناكسيماندر يجب ان يكونو قد تطورو عن حيوانات اطفالها اقوياء (قابلون للبقاء) . في صقلية امبيدوكليس (490-430 ق م ) لاحظ استعمال الساعة المائية والتي تستعمل احيانا كمغرفة , وانها مكونة من كرة برقبة مفتوحة وفتحات صغيرة في قعرها. وعند غمرها بالماء ستمتليء وان تم غلق رقبتها المفتوحة ورفع الكرة من الماء فان الماء الذي بداخلها لن يسقط منها من خلال الثقوب. ولاحظ ايضا انه اذا اغلقت رقبة الكرة قبل غمرها بالماء فانها لن تمتليء عند غمرها فيه, فاستنتج ان شيئا غير مرئي لابد انه ما يمنع الماء من دخول الكرة من خلال الثقوب – اكتشف الوسط المادي الذي ندعوه الان بالهواء.
وفي نفس هذا الوقت فان ديمقريطس ( 460-370 ق م ) من مستعمرة ايونية شمال اليونان , تامل فيما يحدث لو قطعت جسما ما الى اجزاء. وقد جادل بانه يجب ان تستمر بعملية التقسيم الى ما لا نهاية وهذا يجعل العملية غير معرفة . بدلا من ذلك افترض ان كل شيء وبضمنه كل الكائنات الحية مصنوعة من جسيمات اساسية لا يمكن شطرها او تكسيرها الى اجزاء. وسمى تلك الجسيمات النهائية بالذرات, وهي صفة يونانية تعني " غير القابل للقطع" . لقد آمن ديمقريطس ان كل ظاهرة طبيعية هي نتاج تصادم الذرات. ومن وجهة نظره , ويطلق عليها اسم المذهب الذري, ان كل الذرات تتحرك في الكون وان لم يتم اعتراضها ستستمر بالحركة الى الامام بلاحدود. اليوم هذه الفكرة تسمى بقانون عزم القصور الذاتي.
الفكرة الثورية التي تقول اننا لسنا مجرد سكان عاديين في الكون, وانما متميزين بوجودنا في مركز الكون, هذه الفكرة بطلها ارسطو (310-230 ق م ) احد آخر العلماء الايونيين. فقط واحدة من حساباته صمدت للوقت, وهي تحليل هندسي معقد لمشاهدات متمعنة اجراها لمساحة ظل الارض على القمر خلال الخسوف. واستنتج من خلالها ان الشمس لابد تكون اكبر بكثير من الارض ربما الهم بفكرة ان الاجسام الصغيرة يجب ان تدور حول الاجسام الكبيرة وليس العكس, فكان اول شخص حاجج بان الارض ليست مركزا لمجموعتنا الكوكبية, وبدلا من ذلك فان الارض وباقي الكواكب تدور حول الشمس الهائلة الحجم. كانت هذذه خطوة صغيرة نحو ادراك ان الارض ليست سوى كوكب آخر وفيما بعد الى فكرة ان شمسنا ليست شيئا مميزا ايضا. شك ارسطو ان تكون هذه هي القضية وآمن ان النجوم التي نراها في سماء الليل ليست سوى شموس بعيدة.
الايونيون كانو واحدة من مدارس فلسفية اغريقية عديدة , لكل منها تقاليد تختلف وغالبا تتناقض مع بعضها البعض. لسوء الحظ, ان وجهة النظر الايونية للطبيعة والتي ترى انه يمكن تفسير الطبيعة من خلال قوانين عامة تختزل الى مجموعة بسيطة من المباديء , ان تاثيرها لم يدم سوى لبضعة قرون. احد الاسباب ان النظريات الايونية تبدو وكأنها لا تترك مجالا لفكرة الارادة الحرة او الغاية, او ان الالهة تتدخل في عمل العالم. وعد هذا الامر سهوا مذهلا ومقلقا بشكل عميق لمعظم المفكرين الاغريق كما هو الامر لمعظم الناس اليوم. فالفيلسوف ابيقور (341-270 ق م ) على سبيل المثال عارض المذهب الذري على ارضية انه " من الافضل اتباع الاساطير عن الالهة عن التحول الى عبيد لفلاسفة الطبيعة " . ارسطو كذلك عارض فكرة الذرات لانه لم يستطع ان يتقبل ان الانسان مكون من جمادات لا روح فيها. الفكرة الايونية القائلة بان الانسان ليس مركز الكون كانت معلما تاريخيا في فهمنا للكون, ولكنها فكرة كان سيتم القائها ولايتم التقاطها مرة اخرى, الا بعد مرور عشرين قرنا على يد غاليلو.
رغم ان بعض تخمينات قدماء الاغريق عن الطبيعة كانت ثاقبة, الا ان افكارهم لم تعتبر باجمعها صحيحة في وقتنا الحاضر. بسبب ان الاغريق لم يخترعو المنهج العلمي بعد, ولم تكن نظرياتهم توضع بهدف التحقق منها تجريبيا. فمثلا اذا قال عالم ان الذرة تتحرك في خط مستقيم حتى تتصادم بذرة اخرى بينما قال عالم اخر بان الذرة تسير في خط مستقيم حتى تصطدم بالسيكلوب ( عملاق اسطوري ذو عين واحدة .. المترجم ) فلا توجد طريقة موضوعية لحسم هذا الجدال بينهما. اضافة الى ذلك انه لم يكن هنالك وقتها تمييز واضح بين الانسان وقوانين الطبيعة. فعلى سبيل المثال اناكسمييندر كتب في القرن الخامس قبل الميلاد ان كل الاشياء تنشا من مادة اولية وتعود اليها خشية دفع غرامات او عقوبات بسبب اثامها. واستنادا الى الفيلسوف الايوني هيراكليطوس (535-475 ق م ) فان الشمس تتصرف كما هي عليه لان الهة العدل سوف تطاردها. بعد بضعة قرون الرواقيون , وهي مدرسة فلسفية اغريقية نشات حوالي القرن الثالث ق م , وضعت تمييزا واضحا بين الحالة البشرية والقوانين الطبيعية, ولكنهم وضعو ضمن هذه القوانين الطبيعية قواعد السلوك البشري والتي اعتبروها كونية مثل تبجيل الالهة واطاعة الوالدين وجعلوها بمرتبة القوانين الطبيعية. والعكس بالعكس فانهم غالبا ما وصفو العمليات الفيزيائية بمصطلحات قانونية وامنو انه حتى الاشياء الجامدة يجب ان " تطيع" القانون. فاذا كنت تعتقد ان من الصعب اليوم جعل الناس يتبعون قوانين المرور, فتخيل محاولة اقناع كويكب بالتحرك في مدار اهليليجي.
هذا التقليد الفكري استمر بتأثيره على خلف الاغريق من المفكرين لقرون عديدة منذ ذلك الوقت. في القرن الثالث عشر الميلادي الفيلسوف المسيحي توما الاكويني (1225-1247 م) تبنى وجهة النظر هذه واستعملها للمحاججة بوجود الاله, حيث كتب " من الواضح ان الجمادات لا تصل نهايتها بالصدفة بل بالقصد ... وعليه فان هنالك كائنا شخصيا ذكيا والذي كل يأمر كل شيء في الطبيعة الى غايته النهائية" ولاحقا حتى القرن السادس عشر ميلادي, حتى الفلكي الالماني العظيم يوهان كبلر (1571-1630 م ) آمن ان الكواكب لديها حس ادراكي وتتبع بوعي قوانين الحركة التي التقطتها "عقولها".
فكرة ان قوانين الطبيعة يجب اطاعتها بقصد تعكس التركيز القديم على لماذا تتصرف الطبيعة كما تفعل, بدلا من ان يتم التركيز على كيف تتصرف الطبيعة. ارسطو كان مؤيدا لوجهة النظر تلك, رافضا فكرة ان العلم يجب ان يبنى بشكل اساسي على الملاحظة.باي حال القياسات الدقيقة والحسابات الرياضية كانت صعبة في الازمان القديمة. فالارقام العشرة التي نجدها اعتيادية للاستعمال في الحسابات اليوم تعود فقط الى حوالي عام 700 ميلادي, الهنود قامو بالخطوات العظيمة اولى لجعل الاعداد اداة فعالة. رموز الجمع والطرح لم تستعمل الا في القرن الخامس عشر. ولم توجد علامة المساواة ولا الساعات القادرة على اظهار الثواني قبل القرن السادس عشر ميلادي.
ارسطو, على كل حال لم ير مشكلة في القياسات والحسابات كعائق اما تطوير فيزياء يمكنها ان تنتج تنبؤات كمية. لكنه راى ان ليس هنالك حاجة لتلك القياسات والحسابات. وبدلا من ذلك بنى ارسطو فيزيائه على مباديء ناشدته فكريا. هو كبت الحقائق التي لم يجدها تناشده فكريا وركز جهوده على اسباب حدوث الاشياء. مع استثمار القليل من الطاقة في تفصيل مالذي يحدث بالفعل. ارسطو قام بتعديل استنتاجاته التي لاتتفق بشكل صارخ ولا يمكن تجاهله مع المشاهدات. ولكن هذه التعديلات كانت غالبا من نوع مغالطة " لهذا الغرض " ( اقحام فرضية دخيلة على نظرية لمنع دحضها ... المترجم) ولم تكن اكثر من طلاء يغطي التناقضات. في هذه الحال, لا يهم مدى انحراف النظرية عن الواقعية , لانه دائما يغيرها بشكل كاف لرفع التناقض ظاهريا. مثلا, نظريته في الحركة والتي تقول ان الاجسام الثقيلة تسقط بسرعة ثابتة متناسبة مع اوزانها.و ليشرح كيفية اكتساب الاجسام للسرعة عند سقوطها, اخترع مبدا جديدا ان الاجسام تزداد بهجتها وعليه تتسارع عندما تكون قريبة من مكانها الطبيعي للاستراحة. مثل هذا المبدأ يبدو اليوم وصفا ملائما لبعض الاشخاص لا الاجسام الجامدة. ورغم ان نظريات ارسطو تملك القليل من القيمة التنبؤية, ولكن مقاربته للعلم سادت الفكر الغربي لما يقرب من الفي عام.
وقد رفض خلفه من المسيحيين الاغريق فكرة ان الكون محكوم بواسطة قوانين طبيعية غير مختلفة. وهم ايضا رفضو فكرة ان البشر لا يملكون مكانا مميزا في الكون. وعلى الرغم من ان القرون الوسطى لم تشهد نظاما فلسفيا متشاكها, لكن الفكرة العامة انذاك عن الكون انه بيت العاب الاله. وبالنهاية في عام 1277 م اصدر بيشوب باريس تيمبيير قائمة على ضوء توجيهات البابا بوب جون الحادي والعشرين تضم 219 خطأ وهرطقة يدان كل من يقول بها. واحدة من تلك الهرطقات كانت فكرة ان الطبيعة تتبع القوانين, لان هذا يتعارض مع قدرة الاله الكلية. من المثير ان البابا جون قتل بتأثير قانون الجاذبية عندما انهار سقف قصره عليه.

3_ ماهو الواقع
قبل بضع سنين مجلس مدينة مونزا في ايطاليا منعت مالك حيوانات اليفة من الاحتفاظ بالسمك الذهبي في احواض سمك محنية ( كروية او شبيهة بالكروية ) . راعي القرار برر القرار بالقول انه من القسوة وضع الاسماك في احواض منحنية الجدران لانها ستشوه رؤيتها للواقع. ولكن , كيف نعرف اننا نمتلك الحقيقة, الصورة غير المشوهة عن الواقع؟ الا يمكن ان نكون نحن ايضا في داخل حوض سمك كبير وتكون رؤيتنا مشوهة بتأثير عدسة هائلة؟ صورة السمكة الذهبية عن الواقع تختلف عن صورتنا , لكن هل نحن متأكدون انها اقل واقعية ؟
نظرة السمكة الذهبية لا تماثل نظرتنا, لكن يمكن للسمكة الذهبية ان تصيغ قوانين علمية تحكم حركة الاشياء التي تلاحظها خارج الحوض. مثلا, الجسم الذي يتحرك بحرية في خط مستقيم سيبدو للسمكة بسبب التشوه انه يسير في خط منحني , ومع ذلك فان السمكة الذهبية قادرة على صياغة قوانين علمية من اطارها المرجعي المشوه وستكون هذه القوانين صائبة وتمكن السمكة من صنع تنبؤات عن مستقبل حركة الاجسام خارج الحوض. وقوانين السمكة ستكون اكثر تعقيدا من قوانيننا في الاطار المرجعي الخاص بنا, ولكن البساطة قضية ذوق. فاذا ما تمكنت السمكة من صياغة مثل هكذا نظرية, فعلينا الاعتراف ان وجهة نظر السمكة الذهبية على انها صورة صحيحية عن الواقع.
مثال مشهور عن الصور المختلفة للواقع هو النموذج الذي قدمه حوالي عام 150 م بطليموس (85-165 م) لوصف حركة الاجرام السماوية. فبطليموس نشر مقالة الكتاب الثلاثون والتي تعرف عادة بعنوانها العربي , المجسطي, مقالة المجسطي تبدأ بشرح الاسباب للاعتقاد بان الارض كروية, وغير متحركة, ومتموضعة في مركز الكون, وصغيرة بشكل مهمل قياسا الى المسافات السماوية. وبالرغم من وجود نموذج ارسطخرس ( نموذج مركزية الشمس بدلا من الارض ) فان نموذج بطليموس قد حمله معظم المثقفين الاغريق على الاقل منذ ايام ارسطو, الذي آمن ولسبب غامض ان الارض يجب ان تكون مركز الكون. في نموذج بطليموس الارض تقف بلا حراك في المركز والكواكب والنجوم تدور من حولها في مدارات معقدة في افلاك دائرية, مثل عجلات فوق حافات عجلات اخرى.
هذا النموذج يبدو لنا طبيعيا لاننا لانحس ان الارض تحت اقدامنا تتحرك ( باستثناء الهزات الارضية او عنما نحس بالشغف ). وفيما بعد التعليم الاوربي كان مبنيا على المصادر الاغريقية التي وصلت اليهم, وعليه كانت فكرة ارسطو وبطليموس عن الكون اساسا لمعظم الفكر الغربي. وتم تبني نموذج بطليموس من قبل الكنيسة الكاثوليكية واعتبرت عقيدة رسمية لاربعة عشر قرنا. وبقي الامر على ماهو عليه حتى عام 1543 حتى وضع نموذج آخر من قبل كوبرنيكوس في كتابه ( عن دوران الكرات السماوية ) والذي نشر في سنة وفاته ( رغم انه عمل عليه لعقود ).
كوبرنيكوس كما ارسطخرس قبله بسبعة عشر قرنا, وصف العالم بشكل تكون فيه الشمس ثابتة والكواكب تدور حولها في مدارات دائرية. ورغم ان الفكرة لم تكن جديدة, ولكن اعادة احيائها ووجه بمقاومة شغوفة. فقد اعتبر نموذج كوبرنيكوس متعارضا مع الانجيل, والذي فسر على انه يقول بدوران الكواكب حول الارض , رغم ان الانجيل لم ينص على ذلك بوضوح. في الواقع, في الوقت الذي كتب فيه الانجيل كان الناس يعتقدون ان الارض مسطحة. ادى نموذج كوبرنيكوس الى احتدام النقاش فيما اذا كانت الارض ثابتة ام لا, وبلغ النقاش ذروته في محاكمة غاليلو على الهرطقة عام 1633 لدفاعه عن النموذج الكوبرنيكي, ولاعتقاده " ان المرء يمكن ان يتمسك ويدافع ما استطاع عن رأي بعد ان تم اعلان هذا الرأي وتعريفه على انه معارض للكتاب المقدس" وجد غاليلو مذنبا, وفرضت عليه الاقامة الجبرية في منزله لبقية حياته, واجبر على سحب كلامه. يقال انه تمتم وهو يلفظ انفاسه الاخيرة" ولكنها لا تزال تتحرك". عام 1992 اقرت الكنيسة الكاثوليكية الرومانية انها اخطات بادانة غاليلو.
اذن ماهو الحقيقي نموذج بطليموس ام نموذج كوبرنيكس ؟ بالرغم انه من الشائع القول ان كوبرنيكوس اثبت ان بطليموس كان على خطأ, لكن هذا ليس الحقيقة. وكما في حالة نظرتنا مقابل نظرة السمكة الذهبية, يمكن للمرء استخدام كلا من الصورتين كنموذج للكون, فملاحظاتنا للسماء يمكن تفسيرها بافتراض ان الارض او الشمس ثابتين. وبالرغم من ان هذا يلعب دورا في النقاش الفلسفي حول طبيعة الكون, الا ان الفائدة الحقيقية لنظام كوبرنيكوس ببساطة هو ان معادلات الحركة ابسط بكثير في الاطار المرجعي الذي تكون فيه الشمس ثابتة.
نوع آخر من الواقع المغاير يحدث في الخيال العلمي في فلم المصفوفة ماتريكس , والذي تدور احداثه حول ان الجنس البشري يعيش دون علمه في واقع تمت محاكاته وخلقه من قبل كمبيوترات ذكية لابقائهم تحت السيطرة والاحتواء فيما تقوم الكمبيوترات بامتصاص طاقتهم البيولوجية الكهربائية( مهما يعنيه هذا ). ربما هذا الامر ليس بعيدا الاحتمال, لان الكثير من الناس يفضلون قضاء وقتهم في واقع محكي( افتراضي .. المترجم) على صفحات المواقع في الانترنت كحياة ثانية. مالذي يدرينا اننا لسنا سوى شخصيات في مسلسل طويل ينتجه كمبيوتر؟ اذا عشنا في عالم افترضي خيالي, فان الاحداث لن تكون بالضرورة منطقية او متسقة او خاضعة لاي قانون. فالكائنات الفضائية المسيطرة قد تجد ان الامر سيكون اكثر اثارة لرؤية ردود افعالنا, مثلا, اذا ما انقسم القمر الى شطرين , او ان جميع من في العالم حصل لهم توق غير مسيطر عليه لفطيرة الموز. ولكن لو كان هؤلاء الفضائيين فرضو قوانين متسقة, فلا توجد طريقة تخبرنا ان كان هنالك واقع خارج الواقع الافتراضي الذي نعيش فيه. ويمكن القول ان الواقع الذي يعيش فيه الفضائيون " حقيقي" والعالم الافتراضي الذي نعيش فيه " زائف" . ولكن – وكما هو الحال بالنسبة لنا- اذا كانت الكائنات في العالم الافتراضي لا تستطيع ان ترى كونها من الخارج, فلن يكون هنالك سبب للشك في صورتهم عن الواقع. هذه نسخة حديثة عن فكرة اننا جميعا مجرد خيالات في حلم شخص ما.
هذه الامثلة تقودنا الى استنتاج سيكون مهما في هذا الكتاب: وهو انه لا يوجد مفهوم صورة مستقلة او نظرية مستقلة عن الواقع. بدلا من ذلك سنتبنى ما سنسميه النموذج المعتمد (غير المستقل ) للواقعية: فكرة ان النظرية الفيزيائية او صورة العالم هي نموذج ( بشكل عام يكون ذا طبيعة رياضية ) ومجموعة من القواعد تربط مابين عناصر النموذج ( النظرية) والملاحظات. هذا يوفر اطارا والذي من خلاله نفسر العلم الحديث.
الفلاسفة منذ افلاطون ولاحقا جادلو عبر السنين حول طبيعة الواقع (الحقيقة). العلم الكلاسيكي مبني على الاعتقاد بوجود عالم حقيقي خارجي. وخواص هذا العالم معرفة ومستقلة عن المشاهد الذي يدركه. وطبقا للعلم الكلاسيكي, الاشياء المعينة موجودة ولها خواص فيزيائية, مثل السرعة والكتلة,ولهذه الخواص قيم معرفة بشكل جيد. من وجهة النظر هذه فان نظرياتنا هي محاولات لوصف تلك الاشياء وخواصها, وقياساتنا وادراكنا استنادا لتلك النظريات. كلا من الملاحظ والشيء الذي يلاحظه اجزاء من العالم ولهما وجود موضوعي, واي تمييز بينهما ليس له معنى. بكلمات اخرى, اذا رأيت قطيعا من الحمر المخططة تتقاتل بينها من اجل مكان في الكاراج , فهذا لانه حقيقة هنالك قطيع من الحمر المخطط تتقاتل فيما بينها من اجل مكان في الكراج. وكل المشاهدين الاخرين سيرون نفس الشيء نفس القياسات والخواص, وسيبقى لقطيع الحمر هذا نفس الخواص سواءا كان هنالك من يلاحظه او لا. في الفلسفة يدعى هذا بالواقعية.
رغم ان الواقعية تبدو وجهة نظر مغرية, كما سنرى لاحقا, ولكن مالذي نعرفه عن الفيزياء الحديثة والذي يجعل من الصعب الدفاع عن وجهة النظر هذه. مثلا, طبقا لفيزياء الكم, والتي هي وصف دقيق للطبيعة, ليس للجسيم لا موقع معين ولا سرعة معينة اذا لم وحتى يتم قياس هذه الكميات من قبل مراقب( مبدا اللادقة او اللاتعيين ... المترجم). وعليه ليس من الصحيح القول بان القياسات اعطتنا نتيجة مؤكدة لان الكمية التي تم قياسها هي الكمية في وقت القياس فقط. في الواقع, في بعض الحالات الاشياء الفردية لاتتواجد حتى بشكل مستقل بل توجد فقط كجزء من طاقم من العديد من الاشياء. واذا ثبتت صحة نظرية تسمى المبدا الهولوغرافي ( نسبة للصورة الشبحية المولدة بواسطة الليزر المسماة هولوغرام ... المترجم ) , فنحن وعالمنا الرباعي الابعاد (الابعاد المكانية الثلاثة والزمن ... المترجم) ربما نكون مجرد ظلال على حدود زمكان اكبر وخماسي الابعاد. حالتنا حينذاك ستكون مماثلة لحالة السمكة في الحوض.
الواقعيون المتشددون يحاججون ان البرهان على ان النظريات العلمية تمثل الواقع يكمن في نجاحها. ولكن نظريات مختلفة قد تصف بنجاح نفس الظاهرة من خلال اطر مفاهيمية مختلفة. في الواقع, الكثير من النظريات التي ثبت نجاحها قد استبدلت فيما بعد, بنظريات اخرى مكافئة لها في النجاح مبنية على مفاهيم جديدة تماما للواقع.
تقليديا اولئك الذين لم يقبلو الواقعية يسمون ضد الواقعي. وضد الواقعي يفترض تمييزا مابين المعرفة المستحصلة تجريبيا وتلك المستحصلة نظريا. هم يحاججون بان الملاحظة والتجربة لها معنى لكن النظريات ليست اكثر من ادوات مفيدة لا تجسد اي حقائق عميقة كامنة في الظاهرة الملاحظة. بعض ضد الواقعيين ارادو تقييد العلم الى ما يمكن ملاحظته فقط. ولهذا السبب, الكثيرون في القرن التاسع عشر رفضو فكرة الذرات على ارضية اننا لا يمكن ان نراها. بل ان جون بيركلي(1685-1753 م) ذهب بعيدا بالقول ان لاشيء موجود باستثناء العقل وافكاره. وعندما ذكر صديق للمؤلف الانكليزي والمعجمي الدكتور سامويل جونسون (1709-1784 م) ان ادعاء بيركلي لا يمكن نفيه, يقال ان جونسون مشى الى حجر كبير ورفسه معلنا " انا انفيه هكذا". بالطبع الالم الذي عاناه دكتور جونسون في قدمه كان ايضا فكرة في دماغه. وعليه فهو حقيقة لم ينفي ادعاء بيركلي. ولكن فعله وضح وجهة نظر الفيلسوف ديفيد هيوم (1711-1776 م) والذي كتب بانه على الرغم من اننا لانملك ارضية عقلية للتصديق بوجود العالم الموضوعي, الا اننا ايضا لا نملك الخيار الا بالتصرف وكأنه واقعي حقا. النموذج الواقعي غير المستقل انهى ( المؤلف استعمل تعبير قصر الدائرة الكهربائية ) كل تلك الجدالات بين المدارس الفكرية الواقعية والضد واقعية.
فاستنادا لواقعية النموذج غير المستقل, لاجدوى من السؤال فيما اذا كان النموذج حقيقيا ام لا, مادام هذا النموذج يتفق مع المشاهدات. فاذا كان هناك نموذجان يتفقان مع المشاهدات , مثل صورتنا وصورة السمكة في الحوض, عندها لايمكن القول ان احد النماذج اكثر واقعية من الاخر. فالمرء يستطيع استعمال اي من النموذجين الاكثر ملائمة للحالة تحت الاعتبار. مثلا, اذا كان المرء في داخل حوض السمكة, فان نموذج السمكة سيكون مفيدا, ولكن لاولئك الذين هم خارج الحوض, سيكون من الخرق وصف احداث من مجرة بعيدة باطار من داخل حوض سمك في الارض, خصوصا وان الحوض سيتحرك مع الارض في دورانها حول الشمس وحول محورها.
نحن نصنع النماذج في العلم, ولكننا نصنعها كذلك في حياتنا اليومية. واقعية النموذج المستقل لاتطبق فقط على النماذج العلمية ولكن تطبق ايضا على نماذج الوعي واللاوعي العقلية التي نخلقها في محاولة لتفسير وفهم العالم من حولنا. لا توجد طريقة لازاحة المراقب- الذي هو نحن- من ادراكنا للعالم, والذي خلقناه من خلال المعالجة الحسية ومن خلال الطريقة التي نفكر ونعقل بها. ادراكنا- وبالتالي الملاحظات التي بنينا عليها نظرياتنا- ليس مباشرا, بل تم صياغته بنوع من العدسات, وهو الهيكل التفسيري لادمغتنا البشرية.
واقعية النموذج غير المستقل تستجيب للطريقة التي ندرك بها الاشياء. ففي الابصار, يستلم الدماغ سلسلة من الاشارات من خلال العصب البصري. هذه الاشارات تشكل صورة قد تكون غير مقبولة لو كانت على تلفازك. فهناك بقعة عمياء في المنطقة التي يرتبط فيها العصب البصري بالشبكية, والجزء الجيد من مدى ابصارك هو مساحة ضيقة لا تتعدى زاوية بصرية مقدارها درجة واحدة حول مركز الشبكية, وهي مساحة تناظر نسبة عرض ابهامك الى طول ذراعك كلها. وعليه تكون البيانات المرسلة الى دماغك عبارة عن صورة سيئة التنقيط مع فجوة في وسطها. لحسن الحظ فان الدماغ البشري يعالج تلك البيانات, مراكبا المدخلات من كلا العينين, مالئا الفراغات بافتراض ان الخواص البصرية للمنطقة جوار الفجوة البصرية متشابهة ويمكن اقحامها في الفجوات. وعلاوة على ذلك فان الدماغ يقرأ مصفوفة ثنائية الابعاد من البيانات من الشبكية ويخلق منها انطباعا بفضاء ثلاثي الابعاد. وبكلمات اخرى, فان الدماغ بنى صورته اونموذجه العقلي.
الدماغ جيد جدا في بناء النماذج بحيث لو ان ان الناس جهزو بنظارات تقلب الصور رأسا على عقب, فان ادمغة الناس بعد مدة من الوقت ستغير النموذج ليتمكنو من رؤية الاشياء بالطريقة الصحيحة.واذا ما رفعت النظارات فانهم سيرون العالم بالمعكوس مجددا لمدة , ثم سيتكيفون. هذا يبين مالذي يعني عندما يقول احدهم " انا ارى كرسيا" فهو قد استعمل الضوء المتناثر عن الكرسي لبناء صورة ذهنية او نموذج للكرسي. فاذا كان النموذج مقلوبا , فمع قليل من الحظ يمكن لدماغ الانسان ان يصحح النموذج قبل ان يحاول احدهم الجلوس على هذا الكرسي.
مشكلة اخرى تحلها واقعية النموذج غير المستقل, او على الاقل تتجنبها, هي معنى الوجود. مالذي يجعلني اعلم ان كانت المنضدة لا تزال موجودة عندما اغادر الغرفة ولا استطيع رؤيتها؟ مالذي يعنيه القول بان الاشياء التي لا يمكن رؤيتها مثل الالكترون او الكوارك – الكواركات جسيمات يقال انها تكون البروتون والنيوترون- موجودة؟ يمكن للمرء ان يكون لديه نموذج تختفي فيه المنضدة عندما يغادر الغرفة وتظهر مرة اخرى بنفس المكان عندما يعود اليها, ولكن هذا سيكون شيئا اخرقا, وماذا لو ان شيئا ما حدث عندما كنت خارج الغرفة مثل سقوط السقف ؟ كيف, تحت نموذج المنضدة-تختفي-عندما-اغادر-الغرفة , سيمكنني ان اعتمد على حقيقة انه عندما اعود للدخول الى الغرفة ستظهر المنضدة مكسورة, تحت ركام السقف؟ النموذج الذي فيه المنضدة تبقى كماهي اكثر بساطة ويتفق مع الملاحظة. وهذا كل ما نريده.
في حالة الجسيمات تحت الذرية التي لانستطيع رؤيتها, فان الالكترونات نموذج مفيد يفسر ملاحظات من مثل الاثار في غرفة الغيوم ( غرفة او عنبر الغيوم هو مستكشف للجسيمات من خلال اشعاع التأين الذي تسببه تلك الجسيمات ويستعمل في المصادمات الذرية ... المترجم ) والنقاط المضيئة على شاشة التلفزيون, اضافة الى ظواهر اخرى عديدة. يقال ان الالكترون قد اكتشف عام 1897 من قبل الفيزيائي البريطاني تومسون في مختبرات كافندش بجامعة كامبريدج. كان يجري تجارب على تيارات كهربائية داخل انابيب زجاجية مفرغة من الهواء, بظاهرة معروفة بالشعاع الكاثودي. تجاربه قادته الى استنتاجه الجريء ان الاشعة الغامضة تتكون من جسيمات صغيرة تعد عنصرا ماديا اساسيا في الذرات, والذي اعتقد انذاك انه الجزء الاساسي الاصغر غير القابل للانقسام للمادة. تومسون لم ير الكترونا, ولا تخميناته الناشئة عن تجاربه كانت مباشرة او لا لبس فيها. ولكن نموذجه تمت البرهنة عليه بشكل حاسم في التطبيقات بدءا من العلوم الاساسية الى الهندسة, واليوم كل الفيزيائيين يؤمنون بالالكترون, رغم اننا لا نستطيع رؤيته.
الكواركات, والتي هي الاخرى لا نستطيع رؤيتها, هي نموذج يفسر خواص البروتونات والنيوترونات في نواة الذرة. ورغم اننا نقول ان البروتونات والنيوترونات مصنوعة من الكواركات, فاننا لن نلاحظ كواركا بسبب ان القوة الرابطة بين الكواركات تزيد عند فصلها بعضها عن بعض, لذا لا يوجد كوارك حر طليق في الطبيعة. بدلا من ذلك, فانها تتواجد دائما في مجموعة من ثلاثة كواركات (البروتون والنيوترون ) او ازواج من الكوارك والكوارك المضاد (باي ميزون) , وتتصرف وكأنها قد ربطت برباطات مطاطية.
السؤال فيما اذا كان من المنطقي القول بوجود الكواركات, خصوصا اذا كنت غير قادر على عزل احدها, كان قضية مثيرة للجدل في السنوات التي تلت اقتراح نموذج الكواركات. فكرة ان جسيمات معينة مصنوعة من تركيبات مختلفة لجسيمات تحت-تحت نووية وفرت مبدا تنظيميا اسفر عن تفسير بسيط وجذاب لخواص هذه الجسيمات. وبالرغم من ان الفيزيائيين تعودو على قبول الجسيمات التي يتم الاستدلال على وجودها من تغييرات صغيرة احصائية في البيانات المتعلقة باستطارة جسيمات اخرى, ولكن تعيين جسيم ما انه موجود رغم انه مبدأيا غير قابل للملاحظة, كان كثيرا جدا على العديد من الفيزيائيين.ومع السنين وبينما قاد نموذج الكواركات الى المزيد والمزيد من التنبؤات الصحيحة, اخذت معارضة هذا النموذج بالتلاشي. من الممكن بالتاكيد ان بعض الفضائيين بسبعين ذراعا, واعين متحسسة للاشعة تحت الحمراء, وعادة ما ينفخون القشطة المتخثرة من آذانهم, سيقومون بنفس الملاحظات التجريبية التي نقوم بها, ولكنهم سيصفونها بدون كواركات. على الاقل وطبقا لمبدا واقعية النموذج غير المستقل , فان الكواركات موجودة في نموذج يتفق مع ملاحظاتنا لكيفية سلوك الجسيمات تحت النووية.
واقعية النموذج غير المستقل توفر اطارا لمناقشة اسئلة من مثل: اذا كان العالم قد خلق في وقت محدد في الماضي, مالذي حدث قبل ذلك؟ الفيلسوف المسيحي سينت اوغسطين(354-430 م), قال ان الاله لم يكن وقتها يعد النار لتحرق الناس الذين يسألون مثل هذا السؤال, ولكن الزمن خاصية من خواص العالم الذي خلقه الاله ولم يكن الزمن موجودا قبل الخلق, مع ايمانه بان عملية الخلق حدثت منذ وقت ليس بطويل( 6000 عام عند المسيحيين المؤمنين بالخلق القريب للعالم ... المترجم ). هذا نموذج واحد ممكن, وهو مفضل من قبل اولئك الذين يؤمنون ان الحسابات المعطاة في سفر التكوين صحيحة حرفيا رغم انه يوجد في العالم متحجرات وادلة اخرى تدل على انه اقدم بكثير.( فهل وضعت هذه المتحجرات هناك لخداعنا ؟) ويمكن ان يكون لدينا نموذج آخر فيه يمتد الزمن للوراء الى 13.7 مليار سنة الى الانفجار العظيم. النموذج الذي يفسر معظم ملاحظاتنا الحالية, متضمنا الادلة التاريخية والجيولوجية, هو افضل تمثيل نملكه للماضي. النموذج الثاني يمكنه ان يفسر سجلات المتحجرات والنشاط الاشعاعي, وحقيقة اننا نستلم ضوءا من مجرات تبعد ملايين السنين الضوئية عنا, وايضا هذا النموذج – نموذج الانفجار العظيم- مفيد اكثر من النموذج الاول. مع ذلك لا يمكن القول ان اي من النموذجين واقعي اكثر من الاخر.
بعض الناس يؤيدون نموذجا يعود بالزمن الى ما وراء الانفجار العظيم. لحدالان ليس واضحا فيما اذا كان مثل هذا النموذج افضل لتفسير ملاحظاتنا لانه يبدو ان قوانين تطور الكون ربما تنهار عند الانفجار العظيم. واذا كان هذا ما حدث, فلن يكون هنالك معنى لخلق نموذج يشمل الزمن ماقبل الانفجار العظيم, لان ماوجد انذاك لن يكون له اثار يمكن ملاحظتها لاحقا في الوقت الحاضر, ولهذا سنبقى متمسكين بفكرة ان الانفجار العظيم خلق العالم.
يكون النموذج نموذجا جيدا اذا كان:
1_ راقيا
2_ يحوي القليل من العناصر الاعتباطية او القابلة للتعديل
3_ يتوافق مع ويفسر كل الملاحظات الموجودة.
4_ يصنع تنبؤات مفصلة عن المستقبل يمكنها ان تدحض او تخطيء النموذج اذا لم تثبت صحتها.
مثلا, نظرية ارسطو بان العالم مصنوع من اربعة عناصر, التراب والهواء والنار والماء, فعل هذه الاشياء لانجاز غرضها كان راقيا, ولاتحتوي النظرية على عناصر قابلة للتعديل . ولكن في معظم الحالات لم تعمل تنبؤات محددة, وعندما تفعل, تكون هذه التنبؤات دائما غير متفقة مع الملاحظات. واحدة من هذه التنبؤات ان الاجسام الاثقل يجب ان تسقط اسرع لان غايتها هي السقوط. لا احد كما يبدو فكر انه ربما من المهم اختبار هذا التنبؤ حتى مجيء غاليلو. هنالك قصة بانه اختبر هذا التنبؤ بالقائه اوزانا من برج بيزا المائل. وربما هذه القصة من المشهور الذي لا اصل له, ولكننا نعلم انه دحرج اوزانا مختلفة على سطح مائل , ولاحظ انها جميعا تكتسب سرعة بنفس المعدل, بالضد من تنبؤ ارسطو.
من الجلي ان المعايير اعلاه غير موضوعية. فالرقي مثلا, شيء لا يمكن بسهولة قياسه, ولكن له تقديرعالي بين العلماء لان قوانين الطبيعة تقوم بشكل اقتصادي بكبس مجموعة من القضايا المحددة بصيغة بسيطة. الرقي يشير الى صيغة النظرية, ولكنها بشكل اقرب تشير الى نقص العناصر القابلة للتعديل, بما ان نظرية مزدحمة بالعوامل القابلة للتعديل ( المؤلف استعمل تعبير حلوى الفودج) ليست راقية جدا. وباعادة صياغة كلام اينشتين, يجب ان تكون النظرية ابسط ما يمكن, ولكن ليست الابسط. بطليموس اضاف افلاك التدوير الى المدارات الدائرية للاجرام السماوية لكي يجعل نموذجه مطابقا لحركة تلك الاجرام. وهذا النموذج كان يمكن جعله اكثر دقة باضافة افلاك تدوير اخرى الى افلاك التدوير بل وحتى اضافة افلاك تدوير الى افلاك تدوير لها افلاك تدوير.بالرغم من ان اضافة التعقيد الى النموذج قد يجعله دقيقا, ولكن العلماء يرون ان نموذجا يتم ليه ليلائم مجموعة محددة من الملاحظات على انه نموذج غير مرضي, انه اشبه بقائمة للبيانات منه الى نظرية تجسد اي مبدأ مفيد.
سنرى في الفصل الخامس ان الكثير من الناس يرون " النموذج القياسي" الذي يصف التفاعل بين الجسيمات الاولية للطبيعة, يرونه على انه ليس راقيا. هذا النموذج اكثر نجاحا من افلاك تدوير بطليموس. فهو تنبا بوجود بعض الجسيمات الجديدة حتى من قبل ان نلاحظها, ويصف نتائج اعداد لا تحصى من التجارب خلال العقود القليلة الماضية بدقة عالية جدا.ولكنه يحتوي دزينات من المتغيرات القابلة للتعديل والتي يجب ان يتم تعديل قيمها لتطابق الملاحظات, بدلا من ان تكون محددة بالنظرية نفسها.
اما بالنسبة للنقطة الرابعة, فالعلماء دائما ما ينبهرون عندما تثبت صحة تنبؤات مذهلة. ومن الناحية الاخرى, عندما يكتشف ان نموذجا ما ناقص, رد الفعل العام يكون بالقول ان التجربة كانت خاطئة. وعندما تثبت صحة التجربة, فالناس غالبا لايهجرون النموذج بل بدلا من ذلك يحاولون الحفاظ عليه من خلال التعديلات . كذلك الفيزيائيون بالنهاية عنيدون في محاولاتهم لانقاذ نظريات يعجبون بها, الميل الى تعديل نظرية ما يصل الى درجة ان التعديلات تصبح مصطنعة وثقيلة وعليه تصبح النظرية غير راقية.
اذا اصبحت التعديلات اللازمة ليوائم النموذج ملاحظات جديدة مصطنعة ( المؤلف عبر عنها بالشعر المصطنع, الباروكة ... المترجم), حينها تبرز الحاجة الى نموذج جديد. مثال على احد النماذج التي تم التخلص منها بتاثير الملاحظات الجديدة كان فكرة الكون الثابت, او الكون غير المتغير في الحجم. في عام 1929 نشر ادوين هابل ملاحظاته مظهرا ان الكون يتسع. ولكن هابل لم يلاحظ اتساع الكون بشكل مباشر, بل لاحظ الضوء المنبعث من المجرات. هذا الضوء يحمل توقيعا ذا صفة مميزة, او طيفا, بالاعتماد على ما تتركب المجرة منه, والذي يتغير بمقدار معلوم اذا كانت المجرة تتحرك بالنسبة لنا. وعليه , وبتحليل طيف المجرات البعيدة, كان هابل قادرا على تحديد سرعها. كان يتوقع رؤية عدد من المجرات التي تبتعد عنا مساويا تقريبا الى عدد المجرات التي تقترب منا. لكن بدلا من ذلك وجد انه تقريبا كل المجرات كانت تبتعد عنا, وكلما كانت اكثر بعدا كانت اكثر سرعة. استنتج هبل من هذا ان الكون يتوسع, ولكن الاخرين الذين يرومون الابقاء على النموذج القديم, حاولو تفسير هذه الملاحظات ضمن سياق الكون الثابت. فمثلا الفيزيائي فريتز زويكي من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا اقترح انه ربما لاسباب غير معروفة بعد فان الضوء يخسر جزءا من طاقته عند قطعه مسافات هائلة. وهذا النقصان في الطاقة سينتج عنه تغيير في طيف الضوء, وهذا الذي اقترحه زويكي يحاكي ملاحظات هابل. ولعدة عقود بعد هابل, العديد من العلماء ظلو متمسكين بنظرية الكون الثابت. ولكن النموذج الاكثر طبيعية كان نموذج هابل للكون المتسع, وصار هو المقبول.



في سعينا لاكتشاف القوانين التي تحكم الكون قمنا بصياغة عدد من النظريات والنماذج, مثل نظرية العناصر الاربعة, نموذج بطليموس, نظرية الفلوجستين, نظرية الانفجار العظيم وهكذا دواليك.و مع كل نظرية او نموذج فان مفاهيمنا عن الواقع وعن مكونات الكون تتغير. لنأخذ مثلا نظرية الضوء. فنيوتن ظن ان الضوء مكون من جسيمات او كريات. وهذا يفسر لم الضوء يسير بخطوط مستقيمة, ويفسر ايضا لم ينحني الضوء او ينكسر عند مروره من وسط لآخر, مثلا من الهواء للزجاج او من الهواء للماء.
نظرية الكريات لم تستطع على اي حال ان تفسر الظاهرة التي لاحظها نيوتن نفسه, والمعروفة بحلقات نيوتن. ضع عدسة على سطح عاكس للضوء وقم باضاءة العدسة بضوء احادي اللون, مثل ضوء الصوديوم, وانظر من الاعلى للاسفل نحو العدسة , ستشاهد سلسلة من حلقات مضيئة ومظلمة مركزها نقطة تماس العدسة مع السطح. هذه الظاهرة من الصعب تفسيرها بالنظرية الجسيمية للضوء, ولكن يمكن ان تعزى هذه الظاهرة الى النظرية الموجية.
طبقا للنظرية الموجية للضوء, فان الحلقات المضيئة والمظلمة تنشا من ظاهرة تسمى التداخل. فموجتان ما, مثل موجة الماء, مكونة من سلسلة من القمم والقيعان. عندما تتصادمان تنشأ موجة ذات قمم اعلى وقيعان ادنى ان كانت قمم وقيعان الموجتين متوافقتين ويسمى هذا بالتداخل البناء. ويقال للموجتين على انهما في "نفس الطور" ومن الناحية المعاكسة عندما تتقاطع قمة موجة مع قاع موجة اخرى. ففي هذه الحالة ستلغي الموجتان احداهما الاخرى ويقال للموجتين انهما " خارج الطور" وتسمى هذه الحالة بالتداخل الاتلافي.
في حلقات نيوتن فان الحلقات المضيئة تتواجد على مسافات من المركز حيث ان الفاصلة بين العدسة والسطح العاكس تكون بحيث ان الموجة المنعكسة من العدسة تختلف عن الموجة المنعكسة عن السطح باعداد صحيحة (1,2,3...) من الاطوال الموجية, مولدة تداخلا بناءا. ( الطول الموجي هو المسافة بين قمة او قعر لموجة والقمة او القعر الذي يليهما) . ومن الناحية الاخرى فان الحلقات المظلمة تتواجد حيث الفاصلة بين الموجتين المنعكستين هي نصف عدد صحيح (1/2, 1 ½, 2 ½, ....) من الاطوال الموجية, مسببة تداخلا اتلافيا- بمعنى الموجة المنعكسة عن العدسة تلغي الموجة المنعكسة عن السطح العاكس.
في القرن التاسع عشر, اعتبرت هذه التجربة كتأكيد على النظرية الموجية للضوء وأظهرت خطا النظرية الجسيمية. ولكن في بدايات القرن العشرين بين اينشتين ان التأثير الكهروضوئي ( وهو المستعمل اليوم في التلفزيون والكاميرات الرقمية) يمكن تفسيره بواسطة جسيم او كم من الضوء يضرب الذرة ويقذف الكترونا خارجها. وعليه فان الضوء يتصرف كموجة وكجسيم.
من المحتمل ان مفهوم الامواج قد دخل التفكير البشري لان الناس شاهدو المحيط, او ما يحدث في بركة صغيرة بعد ان تلقى فيها حصاة. في الواقع, اذا حدث والقيت حصاتين في بركة ماء, فمن المحتمل انك سترى كيف يعمل التداخل, وهذا الامر جاري على السوائل الاخرى باستثناء النبيذ اذا اكثرت منه . فكرة الجسيمات كانت مألوفة مما نراه من صخور او حصى او رمل ولكن ازدواجية الجسيم/موجة – اي فكرة ان شيئا ما يمكن وصفه على انه جسيم او موجة في نفس الوقت- غريبة غرابة فكرة شرب كتلة من الحجر الرملي.
الازدواجيات مثل هذه – الحالات التي تصف فيها نظريتان مختلفتان جدا نفس الظاهرة وبدقة – متوافقة مع نموذج الواقعية غير المستقل. كل نظرية يمكنها ان تصف وتفسر خواصا محددة, ولا توجد نظرية يمكن ان نقول انها افضل او اكثر واقعية من الاخرى. باخذ القوانين التي تحكم الكون في الاعتبار فانه يمكننا ان نقول التالي : يبدو انه لا توجد نظرية او نموذج رياضي يمكنه وصف كل مظاهر الكون. بدلا من ذلك, وكما ذكرنا في الفصل الافتتاحي للكتاب, يبدو ان هنالك شبكة من النظريات تسمى نظرية m كل نظرية في شبكة نظرية m جيدة لوصف ظاهرة ما ضمن مدى معين. واينما حدث تراكب لمديات نظريات متعددة , فان هذه النظريات المختلفة ستتفق, بحيث يمكن ان نقول عنها جميعا على انها اجزاء من نفس النظرية. ولكن لاتوجد نظرية واحدة من شبكة النظريات هذه يمكنها ان تفسر كل مظاهر الكون و كل قوى الطبيعة, والجسيمات التي تتحسس تلك القوى واطار الزمان والمكان الذي يلعب الجميع دورا فيه. ورغم ان هذا لا يحقق حلم الفيزيائيين في ايجاد النظرية الموحدة, ولكنه امر مقبول ضمن النموذج غير المستقل للواقعية.
سنناقش الازدواجية ونظرية m فيما بعد في الفصل الخامس, ولكن قبل ذلك سنتوجه لمبدأ اساسي بنيت عليه نظرتنا الحديثة للطبيعة.: نظرية الكم وبالتحديد , المقاربة الى نظرية الكم والمسماة التواريخ البديلة. في وجهة النظر هذه, فان الكون ليس له وجود او تاريخ واحد, بل ان كل ان كل نسخة معدلة من الكون تتواجد في نفس الوقت فيما يسمى بالتراكب الكمي. سيبدو هذا الامر فظيعا فظاعة نظرية اختفاء المنضدة كلما غادرنا الغرفة, ولكن في حالتنا هذه فان النظرية قد اجتازت كل الاختبارات التجريبية التي اخضعت لها.

المفهوم الحديث لقوانين الطبيعة ظهر في القرن السابع عشر. يبدو ان كبلر اول عالم فهم هذا المعنى بمفهوم العلم الحديث, رغم ان كبلر كان " انيميزم " ( الاعتقاد بان الكائنات الحية وحتى المواد الجامدة لها ارواح ... المترجم ) . غاليلو (1564-1642 م) لم يستخدم مصطلح "قانون" في معظم اعماله العلمية ( رغم انه يبدو انه قد استعملها في بعض ترجمات اعماله ) . وسواءا استعمل هذه الكلمة ام لا, فغاليلو على كل حال اكتشف العديد من القوانين العظيمة, ودافع عن المبدأ المهم وهو ان الملاحظات هي اساس العلم وان غاية العلم هي البحث عن العلاقات الكمية التي توجد بين الظواهر الفيزيائية. ولكن الشخص الذي صاغ بشكل صارم وصريح مفهوم القوانين الطبيعية كما نفهمها اليوم كان رينيه ديكارت ( 1596-1650 م )
آمن ديكارت ان كل الظواهر الفيزيائية يجب تفسيرها من ناحية تصادم الكتل المتحركة, والمحكومة بثلاث قوانين- وهي سابقة لقوانين نيوتن في الحركة – فقد نص ديكارت على ان قوانين الطبيعة تلك صحيحة في كل مكان وكل وقت, وبين بصراحة ان خضوع الاجسام المتحركة لتلك القوانين لا يعني ان لتلك الاجسام المتحركة عقولا. وكذلك ديكارت فهم اهمية ما نسميه اليوم " بالشروط الابتدائية" او " الحالة الابتدائية". وهي حالة نظام ما عند بداية اي مجال زمني نرمي خلاله ان نصنع تنبؤات لهذا النظام. اي مع معرفتنا بالحالة الابتدائية لاي نظام فان القوانين الطبيعية ستحدد كيف سيتطور هذا النظام مع مرور الوقت, ولكن بدون معرفة الحالة الابتدائية فلن نتمكن من تحديد كيفية تطور النظام. فمثلا لو ان حمامة فوقنا مباشرة وعند زمن يساوي صفر القت شيئا ما فان مسار الجسم الساقط يمكن تحديده بواسطة قوانين نيوتن. ولكن النتائج ستكون مختلفة جدا اعتمادا على الطقس, او ما اذا كانت الحمامة عند الزمن صفر جاثمة بلا حراك على عمود هاتف او انها تطير بسرعة 20 ميلا في الساعة. لغرض تطبيق قوانين الفيزياء يجب معرفة كيف بدا النظام , او على الاقل حالته خلال فترات محددة من الزمن. ( يمكن ايضا استعمال القوانين لتتبع حالة النظام في الماضي ). مع هذا مع تجدد الايمان بوجود قوانين الطبيعة جرت محاولات جديدة للتوفيق بين تلك القوانين ومفهوم الاله. وطبقا لديكارت, فان الاله يمكنه ان اراد ان يغير صواب وخطا المسائل الاخلاقية او النظريات الرياضية , ولكنه لا يستطيع تغيير الطبيعة. آمن ديكارت ان الاله هو من نسق قوانين الطبيعة لكن ليس لديه الخيار في تلك القوانين, وقد اختارها الاله لان هذه القوانين التي نعرفها هي القوانين الممكنة الوحيدة. ولكن هذا يعد انتهاكا لسلطة الاله ( القدرة اللامحدودة... المترجم ), فالتف ديكارت حول هذا الامر بالقول ان القوانين غير القابلة للتغيير ما هي الا انعكاس لذات الاله. وان كان هذا صحيحا, يمكننا التفكير بان الاله لا يزال لديه الخيار في ان يخلق عوالم مختلفة متنوعة. كل من هذه العوالم يستجيب الى مجموعة مختلفة من الشروط الابتدائية, ولكن ديكارت نفى هذا ايضا. فحجته هي انه مهما كان ترتيب المادة عند بداية الكون, ففي النهاية سيتطور الى عالم مماثل الى عالمنا. وفوق هذا ديكارت احس ان الاله خلق العالم ثم تركه لوحده تماما
موقف مماثل( مع بعض الاستثناءات) تم تبنيه من قبل اسحق نيوتن ( 1643-1727 م) . نيوتن كان الشخص الذي فاز بالقبول الواسع الانتشار للمفهوم الحديث للقانون العلمي بقوانينه الثلاث للحركة وقانون الجاذبية, والذي تعتمد عليه حركة الارض والقمر والكواكب وتفسر ظواهر مثل المد والجزر. ابدع حفنة من المعادلات, وفصل الاطر الرياضية التي لا نزال نشتق منها منذ ذلك الوقت والتي لا تزال تدرس لليوم, وتوظف كلما اراد معماري ان يصمم بناية او مهندس ان يصمم سيارة او فيزيائي ان يحسب كيف يوجه صاروخا ليهبط على المريخ. وكما قال الشاعر الكسندر بوب
الطبيعة وقوانين الطبيعة تختفي في الليل
فقال الله, ليكن نيوتن! فصارت كلها في الضوء
معظم العلماء اليوم سيقولون ان القانون الطبيعي هو قاعدة بناء على ملاحظة انتظامه ويوفر تنبؤات تمتد الى ما بعد الاوضاع الحالية القائمة عليها. على سبيل المثال, نحن نلاحظ ان الشمس تبزغ من الشرق كل صباح في حياتنا, ويمكننا ان نفترض القانون التالي " الشمس تبزغ من الشرق دائما" . هذا تعميم يمتد الى ما بعد ملاحظاتنا المحدودة لبزوغ الشمس ويصنع تنبؤا قابلا للاختبار مستقبلا. ومن الناحية الاخرى, فان عبارة من مثل " الكمبيوترات في المكتب سوداء اللون" ليست قانونا طبيعيا لانها تتعلق فقط بالكمبيوترات داخل المكتب ولا تصنع اي تنبؤ من مثل " اذا ما اشترى مكتبي كمبيوترات جديدة فسوف تكون سوداء اللون ".
فهمنا الحديث لمصطلح" قانون طبيعي" قضية جادل فيها الفلاسفة على طول,وهو سؤال اكثر حذاقة مما يظنه المرء للوهلة الاولى. مثلا, الفيلسوف جون كارول يقارن عبارة " كل كرات الذهب هي اقل من ميل في القطر" بعبارة " كل كرات اليورانيوم 235 اقل من ميل في القطر" . ملاحظاتنا للعالم تقول لنا انه ليس هنالك كرات ذهب ذات قطر اكبر من ميل, وسنكون واثقين جدا انه لن يكون هناك مثل هذه الكرة. لكن مع ذلك ليس لدينا سبب يجعلنا نعتقد بانه لن يكون هناك مثل هذه الكرة, وعليه لا تعد هذه العبارة قانونا. ومن الجهة الاخرى, فان عبارة " كل كرات اليورانيوم 235 اقل من ميل في القطر" يمكن التفكير فيها على انها قانون طبيعي لانه, وطبقا لما نعرفه عن الفيزياء النووية, اذا ما زاد قطر كرة اليورانيوم 235 عن ستة انشات, فان الكرة ستدمر نفسها بانفجار نووي. ومن هنا يمكن لنا ان نتأكد ان كرة مثل هذه لن توجد.( ولن تكون فكرة جيدة محاولة صناعة كرة مثل هذه ) هذا التمييز مهم لانه يوضح لنا لم لا يمكن لكل تعميماتنا التي نلاحظها التفكير فيها على انها قوانين طبيعية, وان القوانين الطبيعية تتواجد كجزء من نظام اكبر مترابط من القوانين.
في العلم الحديث غالبا ما تصاغ القوانين الطبيعية رياضيا. ويمكن ان تكون دقيقة او تقريبية, ولكن بملاحظة انها يجب ان تبقى دون استثناءات , ان لم يكن على المستوى الكوني, فعلى الاقل على مستوى مجموعة الشروط المنصوص عليها بالقانون. مثلا, نحن نعرف اليوم ان قوانين نيوتن يجب تعديلها اذا ما تحركت الاجسام بسرع قريبة من سرعة الضوء. لكن مع ذلك لا نزال نعتبر قوانين نيوتن على انها قوانين طبيعية , لانه على الاقل وبتقريب جيد جدا, فان معظم ما نواجهه من سرع في حياتنا اليومية اقل بكثير من سرعة الضوء.
اذا كانت الطبيعة محكومة بواسطة القوانين, ستبرز لدينا ثلاث اسئلة:
1_ ما هو اصل القوانين ؟
2_ هل هنالك اي استثناءات في القوانين مثل المعجزات؟
3_ هل هنالك مجموعة واحدة فقط من القوانين الممكنة ؟
هذه الاسئلة المهمة وجهت بطرق مختلفة من قبل العلماء والفلاسفة واللاهوتيون. الجواب التقليدي للسؤال الاول هو اجابة كبلر وغاليلو وديكارت ونيوتن وهو ان القوانين من عمل الاله. على كل حال هذا ليس اكثر من تعريف الاله على انه تجسيد للطبيعة. الا اذا منح الاله سمات اخرى , مثل اله العهد القديم ( او الله الاسلامي ... المترجم), توظيف الاله كاجابة للسؤال الاول هو مجرد استبدال لغز بلغز اخر. فاذا ادخلنا الاله في اجابتنا للسؤال الاول , فان السحق الحقيقي سوف ياتي لاحقا مع السؤال الثاني : هل هنالك معجزات اي استثناءات للقانون؟
الاراء بخصوص الاجابة عن السؤال الثاني مختلفة بشكل حاد. فافلاطون وارسطو , وهما اكثر الكتاب الاغريق تاثيرا, تمسكا بفكرة ان لا يوجد استثناءات في القوانين, ولكن اذا اخذنا وجهة النظر الانجيلية ( والقرانية ... المترجم) فنرى ان الاله ليس فقط خلق القوانين بل يمكن بمناشدته بالدعاء ان يقوم ببعض الاستثناءات – مثلا شفاء شخص مريض بمرض مميت حتما او انهاء الجفاف مبكرا او ضم لعبة الكروكيت ضمن الالعاب الاولمبية. ( ملاحظة من المترجم : يرجى الاخذ بالاعتبار الروح الساخرة والمشهور بها الفيزيائي ستيفن هوكنج ). ومن وجهة نظر معاكسة لديكارت, تقريبا كل المفكرين المسيحيين ( والمسلمين ... المترجم ) متمسكين بان الاله قادر على تعليق عمل القوانين ليقوم بالمعجزات. حتى نيوتن آمن بالمعجزة بشكل ما. فقد ظن ان مدارات الكواكب غير مستقرة لان قوى الجذب لاي كوكب على الاخر ستسبب اضطرابات في المدارات وهذه الاضطرابات ستزيد مع مرور الوقت مسببة اما سقوط الكوكب نحو الشمس او انقذافها خارج المجموعة الشمسية. فلابد ان الاله مستمر على تصحيح مدارات تلك الكواكب وهذا ما آمن به نيوتن, او " الاله يعيد تعبئة الساعة السماوية خشية ان تتوقف" . على كل حال, بيير سيمون مركيز دي لابلاس والمعروف ب لابلاس (1749-1827 م) حاجج بان هذه الاضطرابات ستكون دورية اي تجري في دورات متكررة بدلا من ان تكون تراكمية. وعليه فالنظام الشمسي سيستقر ذاتيا, ولن يكون هنالك حاجة لتدخل الهي لتفسير لماذا بقيت الكواكب كما هي لوقتنا الحاضر.
يعود الفضل للابلاس بطرحه وبوضوح للحتمية العلمية: بمعرفة حالة الكون في وقت ما مع مجموعة من القوانين ستجعلك تحدد مستقبله وماضيه. وهذا سيستبعد امكانية المعجزات او اي دور للاله. فالحتمية العلمية التي صاغها لابلاس هي الاجابة العلمية الحديثة للسؤال الثاني. انها اساس العلم الحديث, ومبدا مهم خلال هذا الكتاب. القانون العلمي لا يكون قانونا علميا اذا كان قائما على ان قوة ما فوق طبيعية قد قررت ان لا تتدخل. بادراك هذا, يقال ان نابليون سأل لابلاس كيف يتلائم وجود الاله في هذه الصورة؟ فاجاب لابلاس " سيدي, انا لا احتاج هذه الفرضية".
بما ان الناس يعيشون في الكون ويتفاعلون مع الاشياء فيه, فلابد ان الحتمية العلمية تشمل الناس ايضا. الكثيرون في الوقت الذي يقبلون بالحتمية العلمية لادارة العمليات الفيزيائية , سيستثنون السلوك البشري لانهم يعتقدون اننا نملك ارادة حرة. ديكارت مثلا, لغرض الحفاظ على فكرة الارادة الحرة , ادعى أن العقول البشرية هي شيء مختلف عن العالم الفيزيائي ولايتبع قوانينه. ومن وجهة نظره يصر على مكونين وهما الجسد والروح. والاجسام ليست اكثر من ماكينة عادية, ولكن الروح ليست خاضعة للقانون الفيزيائي. ديكارت كان مهتما جدا بعلمي التشريح والفسلجة واعتبر ان عضوا صغيرا في مركز الدماغ و تدعى بالغدة النخامية هي مقر الروح. وان هذه الغدة حسب ما اعتقده كانت المكان الذي تصاغ فيه افكارنا وهي ايضا منبع الارادة الحرة لدينا.
هل يمتلك الناس ارادة حرة؟ اذا كان لدينا ارادة حرة, فاين موقعها على الشجرة التطورية ( متى تطورت... المترجم) ؟ هل للطحالب الخضراء المزرقة او الباكتريا ارادة حرة , او هل ان سلوكهما آلي وضمن مملكة القانون العلمي؟ هل هي مجرد عضويات متعددة الخلايا لديها ارادة حرة او انها فقط ثدييات ؟ هل يعد لوك الشمبانزي للموز ارادة حرة, او ان للقطة ارادة حرة وهي تمزق قماش اريكتك, ولكن ماذا عن الدودة المستديرة المسماة سينورابداتيس ايليجنس وهي مخلوق بسيط مصنوع فقط من 959 خلية؟ من المحتمل ان هذه الدودة لا تفكر اصلا في ان الباكتريا اللعينة التي تناولتها هناك سيئة الطعم . ولكن مع هذا فان لهذه الدودة اطعمة مفضلة وهي اما ستكتفي بتناول طعام غير مستحب لديها او ستبحث عن شيء افضل للاكل, اعتمادا على الخبرة الحالية. هل هذا تدريب على الارادة الحرة؟
بالرغم من اننا نشعر باننا نستطيع اختيار ما نفعله, فان فهمنا للاسس الجزيئية لعلم الاحياء تظهر لنا ان العمليات البيولوجية محكومة بقوانين الفيزياء والكيمياء وعليه فانها محكومة بالحتمية كما هو حال مدارات الكواكب. التجارب الحديثة في علم الاعصاب تؤيد وجهة النظر القائلة بان ادمغتنا الفيزيائية (بالمعنى المادي للدماغ ... المترجم ) تتبع القوانين المعروفة للعلم, وهي التي تحدد افعالنا وليس وكالة ما تتواجد خارج تلك القوانين. مثلا, دراسة المرضى الذين يخضعون لعمليات في الدماغ بدون تخدير تام وجدت انه وبتحفيز كهربائي للمنطقة المناسبة من الدماغ, يمكن ان تخلق لدى المريض رغبة في ان يحرك يده او ذراعه او قدمه, او تحريك شفتيه والتكلم. من الصعب تصور كيف ستعمل الارادة الحرة اذا كان سلوكنا محتوما بالقانون الفيزيائي, لذا يبدو اننا لسنا اكثر من ماكينات بيولوجية وان الارادة الحرة ليست سوى وهم.
على الرغم من الاعتراف بان السلوك البشري بالنهاية محتوم بقوانين الطبيعة, فانه يبدو معقولا ايضا الاستنتاج بان النتيجة يتم تحديدها بطريقة معقدة ومع الكثير من المتغيرات لتجعل من المستحيل التنبؤ بالسلوك الانساني. ولنستطيع التنبؤ بالسلوك الانساني نحن بحاجة الى معرفة الحالة الابتدائية لكل من الف تريليون تريليون جزيء في الجسم البشري وحل عدد مساوي الى ذلك من المعادلات. وهذا سيأخذ بضعة مليارات من السنين , وسيكون هذا متاخرا جدا لنا لننحني عندما ينوي خصمنا ان يضربنا.
لانه من غير العملي استعمال القوانين الاساسية للفيزياء للتنبؤ بالسلوك البشري, فنحن نتبنى ما يسمى النظرية الفعالة. في الفيزياء ,النظرية الفعالة هي اطار عمل لنمذجة ظاهرة ما دون وصف التفاصيل لكل العمليات الكامنة فيها. فنحن مثلا لا يمكننا حساب التفاعل الجذبي لكل ذرة من جسم الانسان مع كل ذرة على الارض. ولكن للاغراض العملية القوة الجاذبية بين جسم الانسان والارض يمكن وصفها باعداد قليلة من الارقام, مثل الكتلة الكلية للشخص. وبشكل مشابه, لا يمكننا حل المعادلات التي تحكم سلوك مجموعة معقدة من الذرات والجزيئات, لكننا طورنا نظرية فعالة تسمى الكيمياء توفر لنا تفسيرات مناسبة كيف تتصرف الذرات والجزيئات في التفاعل الكيميائي من دون الحاجة لمعرفة كل التفاصيل للذرات والجزيئات المتفاعلة. وفي حالة البشر, بما اننا لا نستطيع حل المعادلات التي تحدد سلوكنا, فنستعمل النظرية الفعالة بان الناس لديهم ارادة حرة. دراسة ارادتنا والسلوك الناشيء عنها, هو علم النفس. علوم الاقتصاد كذلك نظرية فعالة, مبنية على فكرة الارادة الحرة زائدا الافتراض بان الناس يقيمون الطرق المختلفة ويختارون افضلها. تلك النظرية الفعالة متوسطة النجاح في التنبؤ بالسلوك, لانه وكما نعلم جميعا, القرارات التي يتخذها البشر احيانا غير عقلانية او مبنية على تحليل معيب للاثار الناشئة عن اتخاذ ذلك القرار. ولهذا السبب العالم في فوضى.
السؤال الثالث يشير الى قضية ما اذا كانت القوانين التي تحكم كلا من الكون والسلوك البشري فريدة من نوعها. اذا كانت اجابتك عن السؤال الاول بان الاله خلق القوانين, حينها يطرح هذا السؤال, هل كان لدى الاله اي حرية في اختيارها؟ كل من ارسطو وافلاطون وديكارت ومتاخرا اينشتين, امنو ان مباديء الطبيعة وجدت من " الضرورة" , وذلك لانها القواعد الوحيدة التي تعطي معنى منطقي. ارسطو وتبعا لايمانه باصل قوانين الطبيعة في المنطق, فانه وتابعيه شعرو انه يمكن " اشتقاق" تلك القوانين دون الانتباه اطلاقا الى الكيفية التي تتصرف بها الطبيعة واقعا. هذا, وكذلك التركيز على لماذا الاشياء تتبع القوانين بدلا من تحديد ماهية هذه القوانين, قادهم الى قوانين كيفية كانت في معظمها خاطئة ولم يثبت انها ذات فائدة, وحتى اذا كان هذا الفكر قد ساد لقرون عديدة . كان الامر متاخرا جدا عندما تجرأ اناس من مثل غاليلو على تحدي سلطة ارسطو وملاحظة ما تفعله الطبيعة واقعا بدلا من ما يدعي " العقل" مما يجب على الطبيعة ان تفعل.
هذا الكتاب يتجذر في مفهوم الحتمية العلمية, والذي يتضمن الاجابة عن السؤال الثاني بانه لا توجد هنالك معجزات, او استثناءات لقوانين الطبيعة. سنعود على كل حال, للتوجه بعمق للسؤالين الاول والثالث, اي قضية كيف نشأت هذه القوانين وفيما اذا كانت القوانين الوحيدة الممكنة. ولكن اولا وفي الفصل القادم سنتوجه لقضية ما الذي تصفه قوانين الطبيعة ؟ معظم العلماء سيقولون ان هذه القوانين هي الانعكاس الرياضي للواقع الخارجي الموجود بمعزل عن المراقب الذي يلاحظه. ولكن وبينما نحن نتأمل في الطريقة التي نلاحظ بها ونصيغ مفاهيما عن محيطنا, سنصطدم بالسؤال, هل يوجد سبب لنصدق ان الواقع الموضوعي موجود ؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قصيدة لأبو العلاء المعري .

  مصدر أبو العلاء المعري (363 هـ - 449 هـ) (973 -1057م) هو أحمد بن عبد الله بن سليمان القضاعي التنوخي المعري ، شاعر وفيلسوف ولغوي وأديب عربي من عصر الدولة العباسية، ولد وتوفي في معرة النعمان في الشمال السوري وإليها يُنسب . لُقب بـ رهين المحبسين أي محبس العمى ومحبس البيت وذلك لأنه قد اعتزل الناس بعد عودته من بغداد حتى وفاته. مصدر في قوله: السبيل الوحيد للوصول الى الحقيقة وكشف الزيف والوهم والخرافات "أيها الغرّ إنْ خُصِصْتَ بعقلٍ فاتّبعْهُ ، فكلّ عقلٍ نبي “ يرتجي الناسُ أن يقـومَ إمــامٌ ناطقٌ في الكتيبة الخرســاء كذب الظنُّ لا إمام سوى العقل مشيرا في صبحه والمســاء فإذا ما أطعـتــه جلب الرحمة عند المسير والإرســـاء إنما هذه المذاهب أسبـــاب لجذب الدنيا إلى الرؤسـاء ولا تصدق بما البرهان يبطله فتستفيد من التصديق تكذيبا جاءت أحاديثُ إن صــحتْ فإن لها شأنـا ولكن فيها ضعف إسنادِ فشاور العقل واترك غيره هـــدرا فالعقلُ خيرُ مشيٍر ضمّه النادي في كل أمرك تقليدٌ رضيتَ به حتى مقالك ربي واحدٌ ، أحدُ وقــد أُمرنا بفكرٍ في بدائعه وإن تفكر فيه معشر لحدوا

لبى برىلﻻؤ

كتاب ((كيف وُجِدَت الآلهة)) كاملاً إبراهيم جركس [دراسة في المادية التاريخية] رسالة "كيف وُجِدَت الآلهة" للمفكر الأمريكي جون كيرتشر نشرها خلال عام 1929 يقدّم فيها شرحاً في سياق المادية الديالكتيكية التاريخية لظهور فكرة الله والدين. How The Gods were Made (A Study in Historical Materialism) By: John Keracher Chicago 1929 تحميل الكتاب بصيغة الـ PDF http://www.4shared.com/office/ZzNnH9WB/___online.html المحتويات 1) مقدّمة 2) كيف وُجِدَتْ الآلهة 3) المفهوم اللاهوتي 4) المفهوم المثالي للتاريخ 5) المفهوم المادي للتاريخ 6) الأديان: ظلال جوهر حقيقي 7) الحياة بعد الموت: الروح 8) الفايكينغ 9) الآلهة النرويجية 10) الآلهة الإغريقية 11) الأولمب 12) المحمديون 13) المسيحيون 14) أورشليم الجديدة 15) الإقطاعية 16) الإصلاح 17) العمال الذين ظلّوا متدينين 18) الطبقة العاملة الملحدة 19) البروليتاريا الثورية 20) التنظيم والتحرّر 1) المقدّمة عندما كنت على احتكاك بالحزب الشيوعي في أمريكا، في خريف عام 1910، سمعت بعض أعضائه وهم يت

الأخطاء العلمية الكبيرة بالقرآن

الأخطاء العلمية الكبيرة بالقرآن ... ===۱ - زوجيّة الأشياء في القرآن === مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ / ''سورة الذاريات : 49'' وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ / ''سورة الرعد : 3'' حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ / ''سورة هود : 11'' '''النقض العلمي : ''' اذا طبقت هذه الآبات لوجد فيها الكثير من التناقض مع الوقائع المكتشفة حديثاً فمثلاً النحل ليس زوجان فقط كنوع فهناك الملكة و الذكور و الشغّالات ..و كذلك اغلب الكائنات ذات أنواع كثيرة جدّاً من بري و استوائي و قطبي .... الخ هذا عدا طفرات التخنيث و المنغوليّة .. لذا فلا يمكن علميّاً حصر الكائنات بزوجين فقط لكل شيء منها - المخلوقات أحادية الجنس هناك الكثير من الكائنات وحيدة الجنس أو الخليّة تتكاثر بنفسها دون أن يوجد لها نوع مذكّر و نوع مؤنّث !! و الأمثلّة كثيرة جدّاً منها - [[القرش المطرقة]] bonnethead shark - [[خيار ال